يُعدّ دعاء الاستفتاح من السنن الجميلة التي يُفتتح بها المسلم صلاته، فتُهيَّأ النفس للقاء مع ربّها، وتُسكَن القلب، ويُعلَن التوجّه إلى الله وحده. في هذا المقال، نُقدِّم شرحًا مبسطًا وسلسًا، موجهًا إلى القارئ المهتمّ بالفقه والعبادات، حول حكمه ومتى يُقال، وصيغ متنوعة واردة عن النبي ﷺ، وكيف يمكن أن يُؤتى به في قيام الليل، وما هي فوائده من حيث الخشوع والصّلة بالله.
هل دعاء الاستفتاح في الصلاة واجب؟
من حيث الفقه، اختلف العلماء في حكم دعاء الاستفتاح. لكن ما يمكننا قوله بوضوح: إنه ليس من أركان الصلاة أو شروط صحتها، بل يدخل ضمن السنن التي يُستحبّ للمسلم اقتفاء أثر النبي ﷺ فيها.
- ذهب جمهور أهل العلم — من الحنفيّة، الشافعيّة، والحنابلة — إلى أن دعاء الاستفتاح سنة مستحبّة في الصلاة.
- بينما ذهب بعض المالكية إلى أنه في الفرض قد يكون مكروهًا أن يستفتح بدعاء، أو أنّه لا يسنّ، لكن هذا ليس من المذهب الأكثر شهرة لديهم.
على سبيل التوضيح، ورد في موقع دار الإفتاء المصرية:
«أُختلف الفقهاء في حكم دعاء الاستفتاح؛ فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه سنة، بينما ذهب المالكية في المشهور إلى كراهة دعاء الاستفتاح في الفريضة».
الخلاصة: دعاء الاستفتاح ليس واجباً على الصحيح من أقوال العلماء، فلا تبطل الصلاة بتركه، ولكن يُستحبّ قوله اقتداءً بالنبي ﷺ وبغرض تعظيم الشعيرة وتطهير القلب لبداية الصلاة.
متى يُقال دعاء الاستفتاح في الصلاة؟
لكي يُؤتى بدعاء الاستفتاح في أفضل وضعه، من المهم معرفة الموضع والزمان المناسبين له داخل الصلاة.
- الموضع:
بعد تكبيرة الإحرام مباشرة — أي عندما يقول المصلي «الله أكبر» للدخول في الصلاة، يُسنُّ أن يَقُل دعاء الاستفتاح قبل قراءة سورة الفاتحة. بعض العلماء ذكروا أن يكون قبل تكبيرة الإحرام، لكن هذا الأقلّ بالنسبة للمنهَج الأشهر. - لركعة الأولى فقط:
يُقال الدعاء في أول ركعة من الصلاة — سواء كانت فريضة أو نافلة. فلا يُكرّر في الركعات التالية.
مثال: إذا كانت صلاة الظهر فرضاً تُصَلّى 4 ركعات، فالدعاء يُقال مرة واحدة فقط في بداية الصلاة بعد تكبيرة الإحرام. - كافة الصلوات المفروضة والنافلة:
يُسنّ قوله في الفرض والنافلة على حدّ سواء، إذ وردت عنه أحاديث ثابتة عند قيام الليل وعن النوافل.
ملاحظة عملية للمبتدئين:
- بعد أن تُكبّر تكبيرة الإحرام (اللهُ أكبر)، خفتّ الصوت قليلاً أو سرًا، تقول دعاء الاستفتاح، ثم تستعيذ وتقرأ (ﻋوذ بالله من الشيطان الرجيم) إن أحببت، ثم تبدأ بقراءة سورة الفاتحة وسورة بعدها.
- لا تقلّده صريحًا كلّ صلاة إن كنت مبتدئًا؛ لكن اجعل منه عادة تدريجيّة ووعيًا بفضله، فالترتيب مهمّ للخشوع.
صيغ أدعية الاستفتاح الواردة عن النبي ﷺ
من الجميل أن تعرف أن هناك صيغًا متعددة نُقلت عن النبي ﷺ في افتتاح الصلاة، ويمكنك الاختيار منها وفق ما تحسن. إليك بعض الصيغ المأثورة:
- «سبحانَك اللهمَّ وبحمدِك، وتبارَك اسمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إلهَ غيرُك».
وردت هذه الصيغة عن السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عها. - «وجَّهتُ وجهي للذي فطَرَ السماواتِ والأرضَ حنيفاً، وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين».
وردت عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. - «اللهمَّ باعِد بيني وبينَ خطاياي كما باعَدتَ بين المشرقِ والمغرب، اللهمَّ نقِّني من الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس، اللهمَّ اغسِلْ خطاياي بالماءِ والثلجِ والبَرَدِ».
وردت عن النبي ﷺ كما في المصادر.
يمكنك اختيار صيغة تحفظها وترددها بخشوع، فهي وسيلة لتهيئة النفس للمقابلة الإيمانية مع الله عزّ وجلّ.
دعاء الاستفتاح في قيام الليل
إن من أجمل الممارسات أن يُفتتح المصلي في القيام بدعاء الاستفتاح، خاصة في صلاة التهجد أو قيام الليل، إذ يُعتبر استفتاحاً للخلوة مع الله، وزيادة في الدّعاء والسكوت والتأمّل.
- ورد عن ابن القيم أن هذا “الاستفتاح” كان يقوله النبي ﷺ إذا قام إلى الصلاة في الليل.
- أيضاً، يستحب أن تُطهّر النفس للقومة، وقد يُزاد منها مناجاة ودعاء خاصّ بخاصّة الليل. مثلاً: «اللهمّ لك أسلمتُ، وبك آمَنتُ، وعليك توكلتُ…» وغيرها.
- إذن، في قيام الليل، يمكنك أن تقول صيغة الاستفتاح ثمّ توسّع قليلاً في الدعاء بما يناسبك من خشوع، ثم تبدأ الفاتحة وما بعدها.
تذكير مهم: قيام الليل مجال يُشجّع فيه على الانفراد مع الله، فاجعل دعاء الاستفتاح مدخلاً لتلك اللمسة الروحية الخاصة، وليس مجرد شكل من الأشكال.
فوائد وأسرار هذا الدعاء في الخشوع والصّلة بالله
لم يرد دعاء الاستفتاح عبثًا في بداية الصلاة؛ بل يحمل في طيّاته فوائد عديدة للإنسان العابد، منها:
- تهيئة القلب للقاء الربّ:
بالدعاء في بداية الصلاة يقول العبد إنه يفتتح وقته مع الله، ويعلن الانقطاع عن لهو الدنيا والانشغال بها، وهو ما يزيد من الحضور الذهني والروحي. - تنقية النفس قبل القراءة:
بعض الصيغ جاءت بطلب الصفح والمغفرة («اللهمّ نقّني من الخطايا…»)؛ وهذا تذكير بأن المسلم يدخل الصلاة بصفحة بيضاء، ويحضر الله بكل ما يتوجّه إليه من قلبٍ خاضع. - تعظيم الله والاعتراف بوحدانيته:
مثلما تقول «سبحانك اللهمّ وبحمدك…»، فالدعاء يبدأ بتسبيح الله وتمجيده، ثم الاعتراف بأنه لا إله غيره. هذا يساعد على إقامة التوجّه الشرعي لله وحده، قبل أن يبدأ في قراءة القرآن أو الركوع أو السجود. - زيادة الخشوع والسكينة:
حينما يعرف المُصلي أن هذا الدعاء من سنّة النبي ﷺ، ويؤديه بخشوع، فإن ذلك يساهم في زيادة خشوعه وتقليص التشتت الداخلي، ويُدخل في الصلاة بعدًا روحيًا أعمق. - تسلسل روحي للعبادة:
الدعاء في البداية يشبه «مَعْلَمًا» أو «إشارة بدء» للبقاء الذهني في الصلاة، ثم الفاتحة، ثم السورة، ثم الأركان. هذا الترتيب يمنح المصلي صلاته بنية واضحة ومنهجية ـ مما يُثبّط السرعة وعدم الانتباه.
باختصار: دعاء الاستفتاح ليس مجرد لفظ يُقال، بل هو عبارة عن مفتاح بلاغي وروحي يدخل به العبد إلى محضر عبادة عميق.
كما قال أحد الدعاة: «الدعاء هو مخّ العبادة، فكم من صلاة دعا بها المصلي فزادته حضورًا!»
أسئلة شائعة
ما حكم ترك دعاء الاستفتاح؟
ترك دعاء الاستفتاح لا يبطل الصلاة، ولا يوجب القضاء أو الإعادة، إذ إنه سنة عند الجمهور.
هل يُقال في الصلاة الجهرية فقط أم السرية أيضًا؟
يُقال سواءً كانت الصلاة جهرية أو سرّية، وفي الفرض أو النافلة؛ لأن الحديث الوارد عنه ﷺ ينسحب على جميع صور الصلاة.
هل هناك دعاء خاص بقيام الليل؟
نعم، ورد عن النبي ﷺ صيغ مخصصة لمقام قيام الليل، ومنها ما أتى في الاستفتاح بمزيد دعاء وتوسّع.
هل هناك صيغة محددة يجب الالتزام بها؟
ليس هناك صيغة ملزمة واحدة، بل وردت عدة صيغ صحيحة. المهم أن تكون مما ثبت عن النبي ﷺ وما لم يُنكر من أهل العلم.
خاتمة
بهذا نكون قد عرضنا لك بأسلوب واضح وسلس معنى دعاء الاستفتاح في الصلاة، حكماً، توقيتاً، صيغه، وفضائله. إنّ الاقتداء بهذه السنة ليس مجرد إضافة شكلية، بل هو بوابة روحية تدخل بها إلى الصلاة بقلوب مستعدة، وعقول متنبهة، ونيات مخلصة.
وبما أنّك في رحلتك لتطوير محتوى متميز حول العبادات، فاسمح لي أن أوصيك بزيارة موقع شبكة اقرأ والتعرّف على كورس «منهج الفقه» الذي يقدّم لك رؤية متكاملة وعميقة لفقه العبادات بأسلوب احترافي وعاطفي يناسب القارئ ويُلبي احتياجه
نسأل الله أن يجعل صلاتنا خالصة له، وأن يفتتح بهاُ أعمالنا بقبول ورحمة.