في كل وقت، وبكل ظرف على مدار حياتك، ستجد أنك-إذا راقبتَ نفسك ليومٍ مثلًا- تقول لفظ التوحيد أكثر من أي شيء آخر، حتى إذا أخرجنا الصلوات وقراءة القرآن من المعادلة الحسابية، سترى أنك في أجمل لحظاتك فرحًا تقول “لا إله إلا الله”، وبينما تبكي أشد البكاء، لا إله إلا الله،وعندما تسمع خبراً تعجز عن شكر الله عليه، تقول لا إله إلا الله،وإذا كان أمرا محزنا ينفطر له فؤادكوتخشى ألا تصبر عليه، تقول: لا إله إلا الله.وتحتسب ثم تغرق في صمتٍ طويل.

تقع في شدة، وتضيق بك السبل، وتصبح الأرض بطول القبر مترا ونصف، وتُخيّل لك الدنيا أصغر من أن يعيش فيها قلبك الكبير، فتشعر بأحدهم يربت على كتفك، يطبطب فوق ظهرك، يأخذك من همك إلى صاحب الأمر، يوصيك بهدوء ويقين: “وحِد الله”.

ربما عشنا جميعًا هذه اللحظات، ونعيشها يوميًا من حيث لا ندري، لكن لم نتوقف مرةً عند معنى “التوحيد“، ولعلنا -نحن عامة الناس- لا ننشغل بتفصيل المعاني ولا شرح المباني، ما دمنا نقول العبارة ونرددها في جميع أحوالنا فالحمد لله ولا يلزمنا التوقف عندها.

لكن بهذا تفوتنا مشاعر عظيمة يمكننا إدراكها بمعرفة أصل ما نقوله، فعبارة التوحيد وحدها كفيلة بأن تدخلك الجنة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: “من قال لا إله إلا الله دخل الجنة”، لكن ذهب العلماء إلى أن ذلك الفضل لا يُحصل بمجرد القول، وإنما بإدراك القلب لها، وبصدق اللسان فيها، ومن هنا يقتضي علينا المرور سريعًا بتعريف “التوحيد“.

ما هو التوحيد لغة؟ التوحيد لغةً مصدر لفعل “وحد” يوحد، توحيدًا، أي أن تجعل الأشياء شيئا واحدًا، لكن هذا في الأشياء، فماذا إن كنا في حضرة خالق الأشياء ورب الأكوان؟ يأخذنا هذا إلى تعريف التوحيد اصطلاحًا، أي في المعنى، وهو إفراد الله عز وجل بالتوحيد، بالربوبية، والألوهية، وأسمائه، وصفاته.

وهُنا لم نقل إننا نوحّد الله بمعنى “نجعله واحدًا”، فحاشا لله أن “نجعله” وهو عز وجل “جاعل” كل شيء، إنما هو الله الواحد الذي نعترف ونقر له بأنه ربنا وإلهنا، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العُلا. بهذا يكون معنى توحيد الله، وتأتي الآن إلى مسامعك سورة الإخلاص “قل هو الله أحد”.

ويتبين لنا مما مضى أن التوحيد ثلاثة أقسام لا يكتمل إلا بهم مجتمعين.

والعجيب هنا أنك لو سألت الكافرين السؤال نفسه فسيجيبون جوابك؛ “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ“، فما الفارق هنا؟ كما قلنا؛ التوحيدلا يتم بقسمٍ منه دون آخر، ويأخذنا ذلك مباشرة للقسم الثاني.

من هنا نعرف كيف أن “لا إله إلا الله” أكثر من مجرد كلمة، وأكبر من عبارة نرددها وتلهجها ألسنتنا في كل أحوالنا، وترديدها جميل دائما، لكنه يكون أجمل حين ندرك ما تبذله قلوبنا حتى الوصول إليها بصدق، وأن نقولها كاملة تامّة شاملة، لأن طائفة من الناس يؤمنون بالقسم الأول ويتركون البقية فيكفرون، وطائفة تؤمن بقسمين ويتركون الأخير فيبتدعون، وأمة من الناس يوحّدون الله بكل كيانهم فيؤمنون، ويكونون موحّدين، وفي صدورهم يشعرون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قال لا إله إلا الله دخل الجنة”.

كانت تلك معلومات عامة في التوحيد، حتى وإن كان معظمنا يجهلها، فتخيل أن تبحر أكثر في ذلك العلم فتعرف الله حق المعرفة، ولذا فإن هؤلاء الذين تبحث عنهم توفرهم لك منصة “اقرأ”، عن طريق معلمين متخصصين يدرسون مواد الشريعة منذ سنوات طويلة، بشكل يسير وأسلوب تفاعلي، حريصين على أن تستشعر بأثر تلك الدراسة في حياتك كمسلم، تتشبث بحبل الله أكثر وأكثر.