فارس رسول الله ﷺ منارة الشجاعة والوفاء والإيمان

في ذاكرة التاريخ الإسلامي الخالدة، يسطع اسم محمد بن مسلمة الأنصاري الأوسي كرمزٍ للثبات، والوفاء، والبطولة التي لم تُلطَّخ ببحثٍ عن مجدٍ دنيوي، بل ارتبطت كلّها بخدمة رسول الله ﷺ والدفاع عن الدعوة في أحلك المواقف.
هو من فرسان الأنصار الكبار، وأحد الرجال الذين اختصّهم النبي ﷺ بمهامّ عظيمة في السلم والحرب، حتى لقّبه بنفسه بـ «فارس رسول الله ﷺ».

نسبه وإسلامه المبكّر

هو محمد بن مسلمة بن سَلَمة بن خالد بن عديّ الأنصاري الأوسي، من أهل المدينة ومن كبارها شأنًا وشرفًا.
أسلم مبكرًا على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه قبل الهجرة، وكان من أوائل الذين حملوا لواء الإسلام في يثرب، فجمع بين الإيمان والشجاعة منذ اللحظة الأولى.

عند قدوم النبي ﷺ إلى المدينة، آخى بين المهاجرين والأنصار، فكانت أُخوّة محمد بن مسلمة مع أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، أخوّةً على الإيمان لا تنفصم، تُجسّد روح الوحدة التي بُني عليها المجتمع الإسلامي الأول.

مواقفه البطولية ومهامه الخاصة

لم يكن محمد بن مسلمة مقاتلًا عاديًا، بل كان أحد رجالات المهمّات الدقيقة التي تتطلب عقلًا راجحًا وشجاعةً متزنة.
وكان النبي ﷺ يثق به في المواقف التي تحتاج دهاءً أمنيًا وصرامةً أخلاقية في الوقت نفسه.

مهمة كعب بن الأشرف

كان كعب بن الأشرف من زعماء اليهود الذين آذوا المسلمين، وكان يحرّض على الفتنة ويسيء للنبي ﷺ بعد غزوة بدر.
فأمر النبي ﷺ محمد بن مسلمة رضي الله عنه بتنفيذ مهمة حساسة لإنهاء خطر كعب، فذهب إليه مع نفرٍ من الصحابة، وتظاهروا بعدم الرضا عن الإسلام ليكسبوا ثقته، حتى تمكنوا منه فقتلوه — فكان بذلك أول عملٍ استخباراتي منظم في الإسلام، يدل على فطنته، ووعيه بخطر العدو، وولائه المطلق للنبي ﷺ.

يُروى أن النبي ﷺ قال بعد المهمة:
«قد أفلحت يا محمد، فقد نصرك الله على عدوّه.»
(رواه ابن هشام في السيرة)

ليلة أحد ودوره البطولي

عشية غزوة أحد، عيّن النبي ﷺ محمد بن مسلمة قائدًا على خمسين من الحرس الليليين، مهمتهم مراقبة تحركات قريش وحماية المعسكر.
كان ذلك تكليفًا دقيقًا يدل على حكمة النبي ﷺ في اختيار الرجال الأكفاء.
وفي اليوم التالي، حين انقلبت المعركة بانسحاب بعض الرماة، كان ابن مسلمة من الثابتين حول رسول الله ﷺ، يذود عنه بنفسه وسيفه، مع طلحة بن عبيد الله وأبي دجانة وغيرهم.

أصيب بجراح لكنه لم يتراجع، حتى قال بعض الصحابة: «لو وُزن صبر محمد بن مسلمة بغيره، لرجح صبره.»

حارس المدينة في غزوة تبوك

في السنة التاسعة للهجرة، خرج النبي ﷺ إلى تبوك لمواجهة الروم، وخلّف على المدينة علي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما، لحراسة المدينة وأهلها وبيت المال.
كانت المهمة من أثقل الأمانات، لأن المدينة في تلك اللحظة كانت مركز الدولة الإسلامية.
فكان ابن مسلمة عيْن المدينة وسيفها في غياب النبي ﷺ.

درس قيادي: القيادة ليست دائمًا في مقدمة الصفوف، بل أحيانًا تكون في الصمت والسهر لتأمين الآخرين.

بعد وفاة النبي ﷺ

استمر محمد بن مسلمة في خدمته للأمة بعد وفاة رسول الله ﷺ.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعتمد عليه في المهام الصعبة التي تجمع بين القوة والأمانة، فيقول فيه:

“ما علمتُ أحدًا أوفى في أمانته من محمد بن مسلمة.”

شارك في الفتوحات الكبرى، وكان من قادة تعزيز الجيش في فتح مصر.
ثم جعله عمر بن الخطاب مفتشًا على الولاة، يراقب أداءهم ويردّ المظالم، لما عُرف عنه من نزاهةٍ وعدلٍ وشدةٍ في الحق.

موقفه زمن الفتنة الكبرى

بعد استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه، انقسم المسلمون، لكن ابن مسلمة آثر الصلح على القتال، ورفض أن يُريق دمًا مسلمًا.
ويُروى أنه كسر السيف الذي أهداه له النبي ﷺ، وقال:

“ما كنتُ لأرفع سيفًا سَلَّهُ رسولُ الله ﷺ على مسلمٍ أبدًا.”

بهذا الموقف الخالد، اختار أن يحفظ يده ولسانه من الدماء، وأن يخلّد سيرته في سجلّ الحكماء والورعين.

دروس من حياته

  1. القيادة بالأمانة:
    الثقة التي أولاه إياها النبي ﷺ ثم عمر رضي الله عنه لم تأتِ من الشجاعة فقط، بل من نقاء السريرة وصدق النية.
  2. الشجاعة المتوازنة:
    شجاعته لم تكن اندفاعًا، بل مزيجًا من وعيٍ، تخطيطٍ، وانضباطٍ روحيٍّ عالٍ.
  3. النزاهة زمن الفتن:
    في لحظات الانقسام، تَظهر قيمة الرجل الحقيقي — من يختار المبدأ لا العصبية.
  4. العمل بصمت:
    كثير من بطولاته كانت في الظل، بلا شهرة، لكنها كانت أعظم أثرًا في حفظ الدعوة.

لماذا تهمّ قصته اليوم؟

في زمنٍ تكثر فيه الأزمات وتقلّ فيه القدوات، تذكّرنا سيرة محمد بن مسلمة أن:

وفي شبكة اقرأ، لا نروي هذه القصص لمجرد المعرفة، بل لنستلهم منها روح القيادة الإيمانية، من خلال دورات السيرة النبوية التي تُعيد إحياء سير العظماء بروحٍ عصرية مؤثرة.

انضم الآن إلى دورة السيرة النبوية
ابدأ رحلتك مع شبكة اقرأ وتعلّم كيف تصنع الأثر بالإيمان

اللهم اجعلنا من القادة الذين يتّبعون الحق برحمة، ويقودون بالعدل بإخلاص.

اقرأ المزيد